كان الأب يعلم الابن مهارة جديدة في طريقة تجاوز "بحور المجاري" بأقل أضرار ممكنة.. ها هو أستاذ "عبد المتجلي" يتكلم:
شوف يا حبيبي.. لازم كل مرة تعدي الشارع يكون معاك قالب طوب و"جوانتي" في شنطة المدرسة.. ليه؟ عشان قوالب الطوب اللي موفراها المحافظة لينا عشان ننط في بحر المجاري ده ولا "نتبلش" أحيان كتير بتكون قليلة.. فتقوم أنت حاطط قالب الطوب بالجوانتي عشان التلوث وتنط.. وهكذا.. وريني كده بقى"..
يقفز الابن في نشاط وقبل أن يصل إلى النهاية يسقط في المجاري، يسارع الأب بإنقاذه، ثم يعود به إلى نفس النقطة وهو يحمسه قائلا:
"ولا يهمك.. هنحاول من جديد.. يلاّ يابطل.. أمال هتروح المدرسة ازاي؟!"
يدخل الشارع في هذه اللحظة ميكروباص ممتلئ بالبشر، يقف في منتصف الشارع في حدة وعنف، وتخرج منه ألفاظ سباب وشتائم متبادلة، قبل أن يقفز من الشباك الأخير شاب نحيل، لا يكاد يضع قدميه على الأسفلت حتى ينطلق الميكروباص في سرعة شديدة وكأنه يشارك في "رالي الفراعنة" وهو يعدل من هندامه يهتف الشاب:
"سواق ابن"........" بصحيح.. بقالي ساعة ونص بأقول له نزّلني نزّلني.. يقوم يقول لي مادام نازل بدري راكب ورا ليه خليك قاعد معانا شوية... طب أنا أرجع بيتنا ازاي دلوقت؟!"
على المقهى الموجود على ناصية الشارع، يجلس مجموعة من الشباب الروش، يتابعون التليفزيون وقد سرت في عروقهم وصلة الدش، يسحب أحدهم نفسا من الشيشة قبل أن يقول لزملائه:
- "كركركر... طبعا وبعدين يا رجالة أنا حاسس إن ريحتي طلعت من كتر القعدة على القهوة"
يرد الثاني وهو يشير إلى أهرامات وجبال من القمامة بجوارهم:
"ماتقلقش يا مان.. دي مش ريحتك.. دي ريحة الزبالة اللي جنبك"
- "هو صحيح ليه الحكومة مابتشيلش الزبالة دي؟"
- "دي سياسة يا صديقي عشان ما تفقدش الثقة في نفسك ولما تفكر إن ريحتك هي اللي طالعة من كتر القعدة من غير شغل.. أقوم أنا أقول لك ماتقلقش يا مان دي ريحة الزبالة مش ريحتك!"
- "لأ منطق برضه.. بس ليه الناس بترمي الزبالة في الشارع؟"
- "عشان الحكومة ماتشيلهاش.. فأقوم أنا أقول لك ماتقلقش يامان دي ريحة الزبالة مش ريحتك.. سيستم يعني!"
أعلى القهوة وفي بلكونة خشبية ضيقة يجلس الأستاذ "أنور" ومعه آلة حاسبة عتيقة، وقد ظهرت فانلته الداخلية وبها ثقوب كثيرة وكأنه خارج من محاولة اغتيال للتو، يكلم الرجل نفسه:
"طب وبعدين.. ده أنا لسه قابض المرتب من 3 أيام وبخ خلاص.. الإيجار على الكهربا على الميّه على دروس العيال على الفلوس اللي كنت سالفها الشهر اللي فات.. يبقى كل سنة وإنتم طيبين.. طب هنجيب أكل وشرب منين.. والأهم.. هاروح الشغل ازاي وأنا مش معايا فلوس مواصلات.. يا أم العيال ممكن لو سمحتِ تيجي بسرعة عشان.. تغطيني وتصوتي!"
في هذه اللحظة.. يتعانق عقربا الدقائق والثواني.. وتقترب الساعة من 12 مساء.. تتوقف كل برامج التليفزيون عن العرض.. وتظهر المذيعة على الشاشة وهي ترتدي ملابس مبهرجة ثم تقول بابتسامة واسعة بلهاء:
"وبكده انتهت سنة 2007 أعزائي المشاهدين.. بكل أفراحها وأحداثها الجميلة والمبهجة اللي خلتنا سعداء طول أيام السنة.. يديكم هنّا على طول.. يلاّ بقى طفوا الشمع واحتفلوا معانا هنعد مع بعض.. 3..2..1"
وفي هذه اللحظة ينقطع النور تماما عن كل الشارع!
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كل سنة وأنتم طيبين!
ماشية سنة 2007 ومروحة للأبد.. ومش جاية تاني خالص..
وجايز السنة دي كانت مبهجة جدا عليكم زي حال سكان الشارع كده.. يعني قضتوها في وسط المجاري والزبالة والبطالة وزنقة أول ونص وآخر الشهر المالية!
وجايز برضه -مين عالم- كانت سنة مبهجة قضّتوها وسط روايح الزهور والمساحات الخضراء وزحمة الشغل وكتر الفلوس اللي مش عارفين تودوها فين!
كل شيء جايز وممكن وخصوصا إننا في مصر "أم العجايب"!
عموما إذا كنت من الفريق الأول أو الفريق الثاني أكيد أكيد فيه حد -أو حداديد كتير- وقفوا جنبكم السنة اللي فاتت..
والحد ده –أو الحداديد برضه!- يستاهل إنك تفتكره وتقول له كل سنة وإنت طيب يا راجل يا طيب عشان كنت جنبي السنة اللي فاتت ويا ريت تفضل معايا السنة دي برضه..
فقول لنا كده السنة اللي فاتت
كان لونها إيه بالنسبة لك؟
ومين الحد اللي عاوز تقول له:
"متشكرين يا عسل على وجودك معايا السنة اللي فاتت"
وعشان إيه بتقول له كده؟
اكتب بمزاجك و"هابي نيو يير"
يجعل سنينكم كلها بعيده عن كل ما هو
"مجاري" أو "بطالة" أو "زبالة"!